فصل: مسألة باع من رجل طعاما إلى أجل فاكتال الطعام وانتقله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة باع من رجل طعاما إلى أجل فاكتال الطعام وانتقله:

وسئل مالك: عن رجل باع من رجل طعاما إلى أجل فاكتال الطعام وانتقله، ثم إنه لقيه بعد ذلك، فسأله أن يقيله منه كله أو بعضه. فقال: أما كله فلا بأس به، وأما بعضه فإنه مكروه. قال ابن القاسم: وقال لي مالك: وذلك أنه يصير بيعا وسلفا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا استقاله من بعضه بعد أن انتقله وغاب عليه، يدخله بيع وسلف؛ لأن الطعام لا يعرف بعينه إذا غاب عليه فيكون ما أقاله منه كأنه قد أسلفه إياه، فرده إليه على أن باعه ما لم يقله منه؛ فيتهمان على أنهما أظهرا البيع في جميعه والإقالة من بعضه على أن يجيزا فيما بينهما البيع والسلف، فيمنعان من ذلك حماية للذرائع، ولو كان إنما باع منه الطعام بنقد، ثم استقاله من بعضه لجاز ولم يتهما في ذلك؛ إلا أن يكونا من أهل العينة، أو أحدهما؛ ولو باعه منه بنقد فانتقد، لجاز أن يقيله مما شاء منه وإن كان من أهل العينة، إذ قد انفصلا بالنقد ولم يبق بينهما سبب، وبالله التوفيق.

.مسألة سلف في طعام مضمون إلى أجل:

ومن كتاب أوله حلف ليرفعن أمرا:
وسئل: عمن سلف في طعام مضمون إلى أجل، واشترط المشتري على البائع أن عليه حملانه من الريف إلى الفسطاط، وإنما كان اشتراه منه على أن يوفيه إياه بالريف، قال: ما أرى بذلك بأسا.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال: إنه لا بأس به؛ لأنه بيع وإجارة؛ لأن السلم بيع من البيوع سلم إليه في الطعام على أن يوفيه إياه بالريف، واستأجره على أن يحمله له من الريف إلى الفسطاط في صفقة واحدة، والبيع والإجارة جائز أن يجتمعا في صفقة واحدة.

.مسألة الصبرة بين الرجلين يشتريانها فيريد أحدهما أن يربح صاحبه فيها قبل أن ينتقلاها:

وسئل مالك: عن الصبرة بين الرجلين يشتريانها فيريد أحدهما أن يربح صاحبه فيها قبل أن ينتقلاها، قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: إذا جاز ذلك قبل أن ينتقلاها، فأحرى أن يجوز ذلك بعد أن ينتقلاها؛ وكذلك لو اشترى نصف الصبرة وبقي فيها شريكا مع البائع، أو ثمر نصف حائط رجل بعد أن أزهى، لجاز له أن يبيع ذلك قبل أن يستوفيه على هذا القول، وقد وقع ذلك في رسم سن من سماع ابن القاسم بعد هذا، ووقع في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع أن مالكا كان يقول قديما: إذا اشترى جزءا من صبرة، فليس له أن يبيعها حتى يستوفيه. ووجه هذا القول: أنه لما كان لا يقدر على أن يبين بحظه من الصبرة أو من الثمرة إلا بالقسمة بالكيل فيما يكال من ذلك، أو بالوزن فيما يوزن منه، أو العدد فيما يعد منه- أشبه من اشترى شيئا من الطعام كيلا أو وزنا أو عددا في أنه لا يبيعه حتى يستوفيه، والقول الآخر هو مقتضى القياس؛ لأن حظه من الصبرة أو الثمرة داخل في ضمانه بالعقد- وإن لم يستوفه كما تدخل جميع الصبرة والثمرة في ضمانه بعقد الشراء وإن لم يستوفهما.

.مسألة اشترى ثوبا بثلثي دينار إلى أجل من رجل ثم اشترى منه ثوبا آخر إلى أجل أبعد:

وسئل مالك: عن رجل اشترى ثوبا بثلثي دينار إلى أجل من رجل، ثم اشترى منه ثوبا آخر إلى أجل أبعد من ذلك الأجل بثلثي دينار؛ فلما حل أجل الثوب الأول، قال البائع للمبتاع: أقر عندك الثلثي الدينار حتى يحل حق الثوب الآخر فتعطيني دينارا وثلثا، قال: لا خير فيه. قال ابن القاسم: وقد كرهته لمن سأل عنه، ثم أخبرني أنه سأل مالكا فقال مثله.
قال محمد بن رشد: الكراهة في ذلك بينة على مراعاة ما يوجبه الحكم في القضاء من أن يقضيه صرف الثلثي الدينار إذا حل أجل الثوب الأول بأخذه بما يجب له من صرف ثلثي الدينار من الدراهم، على أن يأخذ منه في ذلك ذهبا، ويتخرج إجازة ذلك على مراعاة ما ثبت له في الذمة؛ لأنه إنما له في ذمته ثلثا مثقال ذهب، فلا بأس أن يؤخره به ما شاء، ولا يدخله شيء من جهة الصرف، وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم حلف ورسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف؛ والأظهر في هذه المسألة أن ذلك لا يجوز؛ لأنه وإن لم يدخله شيء من جهة الصرف على هذا القول، فيدخله سلف جر نفعا بما نواه مما يفسد نيته في السلف.

.مسألة يبيع الزيت أرطالا كذا وكذا بكذا:

وسئل مالك: عن الرجل يبيع الزيت أرطالا كذا وكذا، بكذا وكذا دينارا إلى أجل، فيزن له فيفضل له عنده الرطلان ينقصان من وزنه، فيقول المشتري للبائع: هما لك. قال: ما أرى فيه من بأس، ولكن أخاف أن يكثر، فإن كثر فلا يعجبني؛ فأما الشيء اليسير مثل هذا فلا أرى به بأسا، قال سحنون: لا بأس به قليلا كان أو كثيرا.
قال محمد بن رشد: اتقى مالك رَحِمَهُ اللَّهُ إذا كثر ما نقص من الوزن فتركه له أن يكون إنما فعل ذلك رجاء أن يوسع له في الثمن إذا حل الأجل، فيدخله ما نهي عنه من هدية المديان؛ واستخف ذلك سحنون وإن كان كثيرا؛ لأنه من ناحية ما يندب إليه المتبايعان من السماحة في البيع، فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رحم الله عبدا سمحا إن باع سمحا، إن قضى سمحا، إن اقتضى»، فلا يقام من هذا أن سحنون يجيز هدية المديان إذا كانت مبتدأة على غير هذا الوجه، بل لا يحل عنده ولا عند أحد من أهل العلم لمن عليه دين أن يهدي لمن له الدين رجاء أن يؤخره بما له عليه من الدين، ولا يحل لمن له الدين أن يقبل منه الهدية إذا علم أن ذلك غرضه فيها، ولا حرج على من أهدى لصاحب دينه إذا صحت نيته في ذلك، وقد كان ابن شهاب تكون عليه الديون، فإذا جاءه غرماؤه، أجازهم ولم يقضهم بصحة نيته في ذلك، ويكره لمن يقتدي به أن يقبل ذلك منه، فقد رد عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هديته على أبي بن كعب من أجل ماله عنده، لئلا يقتدي به في ذلك، فيكون ذريعة إلى استجازة ذلك والعمل به حتى يكثر فيوقع في المحظور منه، هذا وجه رد عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عليه هديته، إذ ليس من أهل التهم، والله أعلم.

.مسألة باع سلعة بثمن إلى أجل ثم ابتاعها بنقد بأقل مما باعها به قبل محل الأجل:

قال ابن القاسم: قال مالك في رجل باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم ابتاعها بنقد بأقل مما باعها به قبل محل الأجل، فلم يعلم بذلك حتى فاتت السلعة وحل الأجل، قال: يفسخ البيع بينهما ولا يكون له إلا ما نقده في ثمنها.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن السلعة إذا فاتت فسخت البيعتان جميعا، ولم يكن في ذلك قيمة، كانت القيمة أقل من الثمن الذي باعها به أولا أو أكثر، إذ لم يفرق بين ذلك، وقال: إنه لا يكون للبائع الأول إلا الثمن الذي نقده؛ وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي تأويلا على ابن القاسم، وذلك بين من قوله في رسم القطعان من سماع عيسى بعد هذا. وقد قيل: إنه لا تفسخ البيعة الأولى وتصحح البيعة الثانية بالقيمة، فإن كانت أقل من الثمن الذي نقد رد إليه الزائد، وإن كانت أكثر منه أدى تمامها؛ ثم ينظر إلى هذه القيمة، فإن كانت أكثر من الثمن الذي باعها به أولا، أخذ الثمن إذا حل الأجل؛ إذ لا تهمة في ذلك؛ وإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي باعها به أولا، لم يكن له على المشتري الأول أكثر من ذلك؛ لئلا يكون قد دفع دنانير في أكثر منها، فيتم الربا بينهما؛ وهذا يأتي على ما في سماع يحيى وسحنون من هذا الكتاب.
وقيل: إنه إن كانت القيمة أقل من الثمن الذي باعها به أولا، فسخت البيعتان، ولم يكن للبائع على المبتاع إلا الثمن الذي دفع إليه، ولم يكن في ذلك قيمة، وإن كانت أكثر من الثمن، لم تفسخ البيعة الأولى وصححت الثانية بالقيمة على حسبما ذكرناه؛ فإذا حل الأجل، أخذ الثمن؛ وإلى هذا ذهب عبد الحق تأويلا على ابن القاسم، وهو قول سحنون أيضا، واختلف بما تفوت به السلعة، فقيل: إنها تفوت بحوالة الأسواق، وهو مذهب سحنون، والصحيح أنها لا تفوت إلا بالعيوب المفسدة، إذ ليس ببيع فاسد لثمن ولا مثمون، وإنما فسخ من أجل أنهما تطرقا به إلى استباحة الربا؛ وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي وغيره من المتأخرين. وأما إذا كانت السلعة لم تفت فلا تفسخ على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك إلا البيعة الأخيرة. وذهب ابن الماجشون إلى أن البيعتين جميعا يفسخان، وهو الصحيح في النظر؛ ودليله من جهة الأثر قول عائشة لزيد بن أرقم: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت؛ لأنها عابت البيعتين جميعا على ما وقع في بيوع الآجال من المدونة. وقد رُوِيَ: بئس ما شريت أو بئس ما اشتريت على الشك من المحدث، فعلى هذا لا يكون لابن القاسم في الحديث حجة. وقد قيل: إن قوله في كتاب العيوب من المدونة، وإنما اختلف الناس في السلعة الأولى راجع إلى هذا الاختلاف.

.مسألة الفول والعدس والحمص وحكم الفضل بينهما:

قال مالك، في الفول والعدس والحمص مثل ما قال لي عام الأول: لا يصلح الفضل بينهما، وسألت ابن القاسم عن هذا، فقال: لا بأس به، وبه قال أصحاب مالك كلهم.
قال محمد بن رشد: القطاني كلها عند ابن القاسم وسائر أصحاب مالك في البيوع أصناف مختلفة، واختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها أصناف مختلفة، والثاني: أنها صنف واحد، والقولان له في السلم الثالث من المدونة، والثالث: أن ما كان منها يشبه بعضه بعضا، يريد في المنفعة كالحمص والعدس فهو صنف واحد لا يجوز فيه التفاضل؛ وما كان منها لا يشبه بعضه بعضا في ذلك فهو صنفان، يجوز التفاضل فيهما، وهو قول مالك في سماع أشهب من جامع البيوع، وروى ابن عبد الحكم عنه أن اللوبيا والحمص صنف واحد، وأن العدس والبسيلة صنف واحد. وفي كتاب الوقار: أن الجلبان والبسيلة صنف واحد، وليس ما في كتاب ابن عبد الحكم، وكتاب الوقار بخلاف لرواية أشهب؛ لأن الحمص واللوبيا والعدس والجلبان والبسيلة يقرب بعضه من بعض في المنفعة، والذي يتباعد بعضه من بعض، هو مثل الفول والحمص والترمس والكرسنة وما أشبه ذلك، ولا اختلاف بينهم في القطاني ألها صنف واحد في الزكاة، وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع طعاما إلى أجل من رجل فمات الذي عليه الحق:

ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء:
وسئل مالك: عن رجل ابتاع طعاما إلى أجل من رجل، فمات الذي عليه الحق، فقيل للذي له الحق: خذ حقك، فقال: ذلك له الورثة، قال: لا، حتى يحل حقي. قال: أرى أن يجبر على أخذه، وذلك أن مال الميت يباع، فلعله أن لا يكون فيه وفاء، فأرى أن يجبر على ذلك، قال ابن القاسم: في العروض يجبر على أخذها في الموت والفلس.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الميت إذا مات فقد وجب لورثته اقتسام ماله بعد تأدية الديون منه؛ لقوله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فلا يلزم الورثة أن يؤخروا ترك القسمة حتى يحل ما عليه من الدين إذا دعا إلى ذلك صاحب الدين، وإن كان الدين عرضا أو طعاما لم يكن للميت أن يعجله، كما لا يلزم صاحب الدين أن يؤخر دينه إلى حلول أجله إذا دعا إلى ذلك الورثة، وقالوا: نحن نؤخر قسمة التركة إلى أن يحل أجل حقه؛ لأن كل واحد منهم يحتج بما يخشى من تلف التركة فلا يؤخر الدين إلى حلول أجله، إلا بتراضي جميعهم على ذلك، وكذلك التفليس سواء، إلا أن يشاء صاحب الدين في التفليس أن يخلي بين الغرماء وبين اقتسام ماله ويؤخر بدينه فيتبعه به في ذمته إذا حل الأجل، فيكون ذلك له، ولا فرق في هذا بين العين والعرض، وإنما خص ابن القاسم العروض بالذكر على سؤال السائل، ولا إشكال في أن العين بذلك الحكم أحرى، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون أجيره يسأله عشرة دراهم فيسأله الأجير أن يعطيه بها ثوبا فيقول ما عندي:

ومن كتاب أوله سن رسول الله:
وسئل مالك: عن رجل يكون أجيره يسأله عشرة دراهم فيسأله الأجير أن يعطيه بها ثوبا، فيقول: ما عندي، ولكن إن شئت اشتريت لك بها ثوبا. فكرهه مالك، وقال: أنا أخبرك في هذا بالصواب، يشتري الثوب لنفسه ثم يبيعه إياه بعد، يعني: الأجير.
قال محمد بن رشد: إنما كره ذلك مالك مخافة أن يعطيه الثوب من عنده ولا يشتريه له، فيدخله فسخ الدين في الدين، ولو اشتراه له بحضرته لجاز، وهذا ظاهر ما في المدونة، وروي ذلك عن سحنون، وقد قيل: إن ذلك جائز- وإن لم يشتره بحضرته- إذا كان معه حاضرا في البلد، وهو قول مالك وسحنون في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات، وفي إجازة ذلك وإن اشتراه بحضرته مغمز؛ لأنه كأنه أخره بحقه على أن يشتري له، فيدخله سلف جر منفعة؛ وأما إن لم يكن معه حاضرا في البلد فلا يجوز باتفاق. واختلف إن ادعى أنه اشتراه فتلف، هل يصدق أم لا- على قولين قائمين من المدونة من مسألة الغرائر واللؤلؤ، وروى ابن أبي جعفر الدمياطي عن ابن القاسم أنه إنما يصدق في الشراء والتلف فيما يجوز الشراء فيه- إذا كان حاضر البلد هو أو وكيله.
وأما إذا كان غائبا عن البلد حيث لا يجوز الشراء، فلا يصدق على التلف إلا أن يقيم البينة على الشراء، وفي رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات، ومن كتاب جامع البيوع، أنه يصدق في دعواه الشراء والتلف، وإن كان غائبا عن البلد حيث لا يجوز الشراء. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: يصدق في الوجهين جميعا، ولا يصدق في واحد منهما، والفرق بينهما، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول اشتر هذا الثوب بعشرة دنانير وهو لي بأحد عشر دينارا:

وقال مالك في الذي يقول اشتر هذا الثوب بعشرة دنانير، وهو لي بأحد عشر دينارا، قال: ليس هذا من بيوع الناس، وقد سمعت من يكرهه، ولكن أرى إما أن يقول اشتره لي ولك دينار فلا بأس به؛ لأن ضمانه من الذي يشتريه له.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم حلف ألا يبيع رجلا، فلا معنى لإعادته.

.مسألة اشترى خمسين صاعا بخمسين درهما على أن يعطيه عشرة آصع في كل شهر:

وسئل: عن رجل اشترى خمسين صاعا بخمسين درهما على أن يعطيه عشرة آصع في كل شهر، وعلى أن ينقده عند البيع عشرة دراهم، فكلما جاءه بعشرة آصع أعطاه عشرة دراهم، فكره ذلك، وقال: لا خير فيه؛ قال ابن القاسم: وذلك يدخله الدين بالدين.
قال محمد بن رشد: وهذا بيّن على ما قال: إن الدين يدخله، فلا وجه للقول فيه.

.مسألة اشترى نصف ثمرة بعدما أزهت وبدا صلاحها:

وقال مالك: من اشترى نصف ثمرة بعدما أزهت وبدا صلاحها، فلا أرى بأسا ببيعها قبل أن يجدها. وقال مالك، في الذي يشتري صبرة أو نصفها فلا أرى ببيعها بأسا قبل أن تنقل، وأحب إليّ لو نقلت قبل أن تباع.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم حلف ليرفعن أمرا، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة أسلف رجلا إردب قمح إلى أجل من الآجال:

ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا:
وسئل مالك: عن رجل أسلف رجلا إردب قمح إلى أجل من الآجال، فاحتاج صاحب الطعام إلى أن يبيعه، فباعه من الذي هو عليه قبل محل الأجل بدينار إلا درهما، يتعجل الدينار والدرهم ويبرأ كل واحد منهما من صاحبه. قال: إن كان الأجل قد حل فلا بأس به. قال: وإن كان لم يحل فلا خير فيه. قال ابن القاسم: وأرجو أن يكون خفيفا، قال سحنون: قول مالك فيها أفضل، وهي صحيحة جدا.
قال محمد بن رشد: الاختلاف في هذا إذا كان الأجل لم يحل-
جار على اختلافهم في انحلال الذمم، هل هي بمنزلة انعقادها في اعتبار الأجل في ذلك، أو ليست بمنزلتها في ذلك إذ قد تباريا؛ وقد ذكرنا هذا المعنى في رسم القبلة قبل هذا، والأظهر في هذه المسألة الإجازة؛ لأن أشهب يجيز أن يبيع الرجل سلعة بدينار إلا درهما، يتعجل الدينار والدرهم وتتأخر السلعة.

.مسألة قلة الصير بالقلة الصير:

قال: وسألت ابن القاسم: عن قلة الصير بالقلة الصير؟ قال: لا يصلح ذلك إلا بالتحري، يريد: الصير بالصير.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الصير بمنزلة الجبن واللبن، لا يجوز إلا مثلا بمثل، فلا يجوز جزافا بجزاف، ولا جزافا بمكيل؛ ولا يجوز إلا مثلا بمثل: إما بالوزن، وإما بالتحري؛ لأن التحري فيما يوزن جائز، قيل: فيما قل وكثر ما لم يكثر جدا حتى لا يستطاع تحريه، وهو ظاهر هذه الرواية. وقيل: لا يجوز ذلك إلا فيما قل، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وعزاه إلى مالك. قيل: وإن لم تدع إلى ذلك ضرورة، وهو ظاهر ما في المدونة؛ لأنه أجاز فيها أن يباع اللحم باللحم تحريا، وأن يسلف فيه تحريا.
وقيل: إنه لا يجوز إلا عند عدم الميزان، وقيل: لا يجوز وإن عدم الميزان إلا في الطعام الذي يخشى فساده، إن ترك إلى أن يوجد ميزان، وهذا في المبايعة والمبادلة ابتداء. وأما من وجب له على رجل وزن من طعام لا يجوز فيه التفاضل، فلا يجوز له أن يأخذه منه تحريا إلا عند الضرورة لعدم الميزان على ما قاله في نوازل سحنون من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل عين رجلا فباعه طعاما بثمن إلى أجل على أن ينتقد من ثمنه دينارا:

ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان:
وسئل مالك: عن رجل عين رجلا فباعه طعاما بثمن إلى أجل، على أن ينتقد من ثمنه دينارا، فكره ذلك؛ قال: وقال مالك: لست أول من كرهه، قد كرهه ربيعة وغيره.
قال محمد بن رشد: هذه بيعة واحدة صحيحة في ظاهرها، إذ يجوز للرجل أن يبيع سلعة بدينار نقدا ودينار إلى أجل؛ فلا يتهم بالفساد فيها إلا من علم ذلك من سيرته- وهم أهل العينة، والذي يخشى في ذلك أن يكون الذي تراوضا عليه وقصدا إليه أن يبيع منه الطعام على أن يبيع له منه بدينار، فيدفعه إليه ويكون الباقي له بكذا وكذا دينارا إلى أجل، وذلك غرر؛ إذ لا يدري ما يبقى له من الطعام إذا باع منه بدينار، فقد قال بعض أهل العلم: إنه لو دفع إليه الدينار من ماله، لم يكن به بأس؛ وفي سماع سحنون أن ذلك لا يجوز- وإن دفع إليه الدينار من عنده؛ لأنه يخلفه من الطعام- يريد: أن التهمة لا ترتفع عنه بذلك؛ لأنه إن كان البيع وقع على أن ينقده الدينار من الطعام، فلا يصلح أن يدفعه من عنده، كما أنه إذا وقع على الصحة لا يفسده أن ينقد الدينار من الطعام.

.مسألة الرجل يبيع كرمه على أن ينتقد عشرين دينارا ثم يعطيه ثلث الثمن إذا قطف ثلثه:

وسئل: عن الرجل يبيع كرمه على أن ينتقد عشرين دينارا، ثم يعطيه ثلث الثمن إذا قطف ثلثه، ثم يعطيه البقية إذا قطف الثلثين، قال: لا خير في هذا، وهذا ما لا يعرف متى يقطف الثلث أو الثلثين، ولكن إن اشترط عليه إذا اقتطفه، لم أر بذلك بأسا، وكأنه جعله مثل الحصاد والجداد فيما رأيت.
قال محمد بن رشد: وجه ما ذهب إليه مالك في تفرقته بين أن يبيع كرمه على أن يأخذ ثلث الثمن إذا قطف المشتري ثلثه، والباقية إذا قطف الثلثين الباقيين؛ وبين أن يبيعه على أن يأخذ جميع ثمنه إذا قطفه؛ هو أنه إذا سمى الثلث أو الثلثين، فقد صرح أنه أراد ثلث ذلك الكرم بعينه وثلثيه، وذلك غرر، إذ لا يعرف متى يقطف الثلث أو الثلثين؛ لأنه قد يعجل قطافه وقد يؤخره، وإذا لم يسم ثلثه ولا جزءا منه، وإنما باعه على أن يعطيه ثمنه إذا قطفه.
كأن المعنى في ذلك عنده: أنهم لم يقصدوا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه، وإنما أراد أن يعطيه الثمن إذا قطفه حين يقطف الناس، فجاز البيع عنده؛ كمن باع إلى الحصاد أو إلى الجداد، ولو بين أنه إنما يبيعه منه على أن يعطيه ثمنه؛ إذا قطفه بعينه عجله أو أخره، لما جاز البيع؛ وقد ذكر أصبغ أن أشهب أجازه فيمن شرط إذا جد ثلثه دفع إليه ثلث الثمن، وإذا جد بقيته دفع إليه البقية، وقال مالك: النصف غير معروف، قيل: إنه يعرف بعدة الفدادين، قال: لا أحب ذلك، وليبعه إلى فراغه؛ فحمل أشهب أمرهما على أن البيع إنما وقع بينهما فيما ظهر إليه من قصدهما، على أن يعطيه ثلث الثمن إذا جد ثلثه، والباقية إذا جد البقية- على تأن لا يتعجل عما جرت عادة الناس عليه في الجداد، ولا يتأخر عنه؛ وإلى هذا نحا مالك في هذا القول، إلا أنه رأى النصف والثلث غير معروف، إذ لا يعرف إلا بالخرص، والتحري إن تنازعا في ذلك، فلم يجزه، وأجازه في الكل؛ لأنه معروف لا يخفى.
وقال أبو إسحاق التونسي: إذا جاز أن يبيعه إلى فراغ جداده، جاز أن يبيعه إلى جداد نصفه؛ لأن النصف مقدر معروف لا يمكن أن يخفى. وقول مالك عندي أصح وأولى، فلم يختلف قول مالك: إنه إذا باعه إلى قطافه، إن ذلك جائز؛ لأنه حمله في القول الواحد، على أنهما إنما أرادا إلى قطاف الناس، لا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه؛ وفي القول الثاني: على أنهما إنما أرادا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه، على أن لا يتعجل عن قطاف الناس، ولا يتأخر عنه؛ ولا اختلف قوله أيضا في أنه إذا باعه إلى قطاف نصفه أو ثلثه أن ذلك لا يجوز؛ لأنهما إن كانا أرادا إلى قطاف نصفه أو ثلثه، على أن لا يتعجل عن قطاف الناس ولا يتأخر عنه، فالنصف والثلث غير مقدر ولا معروف، فربما تنازعا في ذلك وهو لا يعرف إلا بالخرص والتحري الذي لا يجب له حكم؛ وأجاز أشهب البيع في الوجهين جميعا، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة.

.مسألة يقول له رجل: اكتب إلى شريكك يبتاع متاعا كذا وكذا وأبتاعه منك بدين:

وسئل مالك: عن رجل من أهل الفسطاط يكون له شريك بالإسكندرية، فيقول له رجل: اكتب إلى شريكك يبتاع متاعا كذا وكذا، وأبتاعه منك بدين؟ قال مالك: لا خير فيه، والحاضر مثله سواء، كتب فيه أو اشتراه حاضرا، ثم خففه بالنقد؛ فقال: لا أرى به بأسا. قال سحنون: وهذا خطأ، ولا خير فيه بالنقد ولا إلى أجل؛ إلا أن يكون إنما أوجبها الأمر وله اشتراها، فيكون ذلك جائزا، ويكون هذا أجيرا يعطى أجرته.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم حلف أن لا يبيع سلعة سماها، فلا معنى لإعادته.

.مسألة يأخذ الرجل النوى والقصب والتبن من ثمن طعام باعه إياه إلى أجل:

ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق:
قال مالك: ولا بأس أن يأخذ الرجل النوى والقصب والتبن من ثمن طعام باعه إياه إلى أجل، وذلك أنه ثمن العلف وليس من الطعام.
قال محمد بن رشد: هذا بين؛ لأنه إذا لم يكن من الطعام، فجائز أن يباع بالطعام إلى أجل، فكيف باقتضائه من ثمن الطعام.

.مسألة باع سلعة بخمسة عشر دينارا نقدا فانتقد عشرة ثم تقاضاه الخمسة فمطله:

وسئل مالك: عمن باع سلعة بخمسة عشر دينارا نقدا فانتقد عشرة، ثم تقاضاه الخمسة فمطله؛ فقال له بَيِّعُهُ: هل لك أن أربحك ثلاثة دنانير وتؤخرني شهرين؟ قال مالك: إن كان رجلا يعرف بالعينة فلا أحبه، وإن كان رجلا ممن لا يعمل بالعينة وإنما هو رجل باع بيعا صحيحا، فلا أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: المكروه في هذه المسألة حاصل باجتماع الصفقتين؛ لأنه لما باع منه السلعة بخمسة عشر فانتقد منها عشرة ثم اشتراها منه بثمانية عشر إلى أجل، رجعت إليه سلعته فكانت لغوا، ويأخذ منه الخمسة التي بقيت له عليه، ويؤدي له ثمانية عشر إذا حل الأجل، فكان قد أخذ خمسة عشر في ثمانية عشر إلى أجل؛ وإن تقاضى من الثمانية عشر بالخمسة التي بقيت له عليه، كان قد أخذ عشرة في ثلاثة عشر إلى أجل، إلا أنه لما لم يبايعه أولا إلا بالنقد، لم يتهما، إلا أن يكونا من أهل العينة؛ لأن أهل العينة يتهمون فيما لا يتهم فيها أهل الصحة، لعملهم بالربا واستجازتهم له؛ وكذلك لو اشتراها منه بعد أيام ما لم يستوف منه الخمسة الباقية له عليه، وكذلك لو انتقد الخمسة عشر كلها منه، ثم ابتاعها منه إلى أجل بربح لم يجز في المجلس، ولا بقرب ذلك إن كانا من أهل العينة أو أحدهما حتى يطول الأمر ويبرءا من التهمة، والله الموفق.

.مسألة أهل البيت يحتاجون العجين فيتسلفون من بعض جيرانهم:

وسئل مالك: عن أهل البيت يحتاجون العجين فيتسلفون من بعض جيرانهم، ثم يدفعون مكانه دقيقا يتحرون قدر ذلك؟ قال: لا بأس به.
قال محمد بن رشد: العجين ليس بصنعة، فلا يجوز بالدقيق متفاضلا باتفاق، ولا يمكن المماثلة فيه بالكيل ولا بالوزن؛ وقد اختلف: هل يجوز بالتحري؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وأحد قولي ابن القاسم في رسم حبل الحبلة من سماع عيسى بعد هذا.
والثاني: أن ذلك لا يجوز، وهو أحد قولي ابن القاسم في رسم حبل الحبلة المذكور؛ قيل: لأنه لا يستطاع تحري ذلك، وقيل: لأن الدقيق أصله الكيل، والعجين أصله الوزن؛ ولا يباع ما أصله الوزن بالكيل، ولا ما أصله الكيل بالوزن؛ ولا يتحرى ما أصله الكيل، إنما يتحرى ما أصله الوزن؛ قال ذلك سحنون، وليس قوله ببين؛ لأنه إنما لم يجز مبادلة ما لا يجوز فيه التفاضل مما يكال بالتحري، إذ لا يعدم المتبادلان ما يكملان ذلك له بقدح أو صحفة وإن لم يكن مكيالا معلوما فتحصل المماثلة به، وقد يعدمان الميزان في تبادل ما لا يجوز فيه التفاضل مما يوزن؛ والعجين لا يمكن كيل ما فيه من الدقيق بحال، فينبغي أن يكون التحري فيه أجوز من تحري ما يوزن لعدم الميزان؛ ولهذه الضرورة التي هي أمس من ضرورة عدم الميزان، أجاز ابن القاسم في سماع أبي زيد من جامع البيوع خبز القمح بخبز الشعير، بأن يتحرى كيل ما في كل واحد منهما من الدقيق؛ وقد أجاز في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع- التمر المنثور بالمكتل على التحري، إذ لا يتأتي كيل التمر المكتل، فكيف هذا؟
والقول الثالث: أن ذلك يجوز في الشيء اليسير مثل الخميرة يتسلفها الجيران بعضهم من بعض فيردون فيها دقيقا، أو يتبادلون فيها بالدقيق؛ وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية، ونص قوله في كتاب ابن المواز، وقول أشهب، وبالله التوفيق.